تشهد أوروبا واحدة من أكبر عمليات التحول في البنية التحتية الرقمية في تاريخها. فقد تسارعت وتيرة نشر الألياف بشكل كبير، وتم ضخ مليارات من الاستثمارات لتحديث الشبكات في جميع أنحاء القارة. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا التقدم، لا يزال هناك عنق زجاجة رئيسي.
يكمن الاختبار الحقيقي للشمول الرقمي ليس في حجم الألياف المنتشرة، بل في مدى وصول هذه الألياف بفعالية إلى كل منزل وكل مؤسسة. لا تزال شبكة «المايل الأخير» الجزء الأكثر تعقيداً في البنية الشبكية، حيث تختلف الشركات المشغلة في تعريف «المنازل الممرور بها» وفقاً للمسافة بين المنازل المطلوب ربطها ونقطة الاتصال المغلقة.
ويجب معالجة هذا الأمر، فالمنازل يجب أن تُربط بسرعة وبموثوقية في بيئة تنافسية. رضا العملاء عنصر حاسم، وإذا لم يتم التعامل مع هذا التحدي استراتيجياً، فسوف يواجه المشغلون في أوروبا مخاطر تؤثر في «تجربة العميل» عند الحصول على خدمة الألياف.
فهم شبكة الميل الأخير
يشير الميل الأخير إلى الاتصال النهائي بين الشبكة والمستخدم. وهو الجزء الذي تصبح فيه عملية التركيب مكلفة، ومزعجة، وتستغرق وقتاً طويلاً، خصوصاً عند ارتفاع الطلب أو الحاجة إلى التحديث لاحقاً. ومع اعتماد المجتمع المتزايد على الخدمات السحابية، والعمل الرقمي، والأتمتة، والبيوت الذكية، يجب أن تتطور البنية التحتية من مجرد “متوفرة” إلى “جاهزة فوراً”. ببساطة، يجب أن تكون الشبكات التي نبنيها اليوم قادرة على دعم الاقتصاد الرقمي خلال العقد القادم.
ولتحقيق ذلك، يجب على أوروبا أن تتبنى نهجاً واقعياً لتمكين المنازل من الاتصال بالألياف. يجب أن يكون الاستثمار الرئيسي في المنازل الممرور بها، على أن تكون عملية توصيل المنزل سهلة وسريعة، ويمكن تنفيذها من قبل مهندسين بمهارات بسيطة باستخدام منتجات سهلة الاستخدام. إن تركيب ألياف عالية السعة حتى حدود الممتلكات يعد خطوة منطقية، لأنه يجعل توصيل العميل في النهاية أسهل ما يمكن.
وفي شبكات الميل الأخير، تبدو الفرصة بسيطة من حيث المفهوم لكنها قوية في التأثير. فطرق الألياف المُعدة مسبقاً، والمحميّة، والمختبرة بالكامل، والجاهزة للتفعيل، تُغيّر بشكل جذري اقتصاديات النشر. يحصل العملاء على خدمات أسرع وأقل تكلفة، ويقلل المشغلون وقت التركيب، وتكرار الزيارات، والنفقات التشغيلية. كما تستفيد المجتمعات من تقليل الأعمال الأرضية المتكررة وتقليل الإزعاج. وأخيراً، ينتقل القطاع من التركيب التفاعلي إلى الجاهزية الاستراتيجية.
هذه هي الفلسفة التي تقود عملنا في شركة «إمتيل». باعتبارنا مزود حلول لشبكات الألياف المنفوخة مسبقة التوصيل وشبكات القنوات، يركز عملنا دائماً على تمكين نشر شبكات أكثر ذكاءً وسرعة واستدامة. نحن لا ننظر إلى الميل الأخير كمنتج أو مهمة واحدة، بل كنظام متكامل يجب أن يقدم قيمة طويلة الأمد على نطاق واسع. وهذا يعني ضمان وضع الألياف في الأماكن التي ستحتاجها الشبكات مستقبلاً، وتمكين المشغلين من تفعيل الخدمة بأقل تكلفة وأقل تعطيل عند ارتفاع الطلب.
نموذج Homes Passed Plus
أحد الأمثلة على ذلك هو نموذج Homes Passed Plus، حيث يتم تركيب مسارات الألياف مسبقاً حتى حدود الممتلكات، ويتم تخزين الألياف الزائدة بأمان حتى وقت التفعيل. وبما أن الكابل موجود أصلاً وتم اختباره مسبقاً، تصبح عملية التفعيل بدون لحام وسريعة جداً. وهذا يقلل متطلبات الإنشاء، ويقصر أوقات التركيب، ويساهم في تقليل البصمة الكربونية من خلال تجنب الزيارات المتكررة وأعمال الحفر.
الابتكار في العقد الرقمي لأوروبا
سوف يلعب الابتكار دوراً حاسماً في العقد الرقمي لأوروبا. فإدارة الطاقة الذكية، والرعاية الصحية الرقمية، والتعليم المتصل، وسلاسل الإمداد المتقدمة، كلها تعتمد على شبكات ليست متاحة فقط، بل جاهزة للاستخدام فوراً. بناء الألياف بشكل أقرب اليوم يعني تقليل التعطيل غداً. كما أن الاستدامة لا تُقاس فقط بالمواد المستخدمة، بل بالبنية التحتية التي نتجنب بنائها مرتين.
تمتلك أوروبا فرصة فريدة للانتقال من نموذج بناء الحاضر إلى نموذج بناء الأجيال القادمة. فالألياف الاقتصادية في الميل الأخير والقابلة للتطوير ليست حلماً، بل واقع يمكن تحقيقه عندما نجمع بين ذكاء تصميم الشبكات، والابتكار التقني، والاستعداد للبناء قبل الطلب.
بصفتي مدير الحلول في شركة إمتيل، فقد رأيت شخصياً أنه عندما تتعاون الحكومات والمشغلون والمطورون والموردون بعقلية طويلة المدى، يتحول الاتصال من عائق إلى محرك للنمو. القرارات التي نتخذها اليوم سوف تحدد قدرة أوروبا على المنافسة والابتكار والازدهار في العصر الرقمي. ولردم فجوة الاتصال، يجب أن نتحرك مبكراً، ونبني بذكاء، ونضمن أن كل منزل جاهز للاتصال لحظة احتياجه للخدمة.












Leave a comment
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.